تحسين تركيز الطفل في المذاكرة

كيف أساعد ابني على التركيز في المذاكرة

تُعَدّ القدرة على التركيز أثناء المذاكرة من أبرز المهارات التي يحتاجها الطفل لتحقيق النجاح الدراسي، غير أن هذه المهارة لا تولد تلقائيًا، بل تتشكل عبر التوجيه السليم والبيئة المناسبة والدعم النفسي والمعرفي المتواصل. كثير من الآباء يواجهون صعوبة في مساعدة أبنائهم على المحافظة على التركيز خلال فترات الدراسة، إذ تنصرف أذهان الأطفال بسرعة نحو المشتتات، خصوصًا في العصر الرقمي الذي تنتشر فيه الشاشات والإشعارات والألعاب بشكل غير مسبوق.

يسعى هذا المقال إلى تقديم إطار شامل وطويل لمساعدة الآباء في فهم أسباب ضعف التركيز لدى الأطفال، وتقديم استراتيجيات علمية وعملية لدعم الأبناء وتطوير قدراتهم على الانتباه والتحصيل.

أولاً: فهم التركيز من منظور نمائي

التركيز هو القدرة على توجيه الانتباه نحو نشاط معين لفترة زمنية محددة مع مقاومة المشتتات. ويُعد التركيز مهارة تنفيذية من مهارات الدماغ العليا، تتطور تدريجيًا مع نمو الطفل، إذ يكون مدى الانتباه في مرحلة ما قبل المدرسة قصيرًا نسبيًا، ثم يزداد تدريجيًا خلال مراحل التعليم المختلفة. ووفقًا للدراسات النفسية، يمكن للطفل الذي يتراوح عمره بين 6 إلى 12 عامًا أن يركز لفترة تتراوح بين 10 إلى 25 دقيقة متواصلة في النشاط الواحد، ويتفاوت ذلك حسب طبيعة النشاط وظروف البيئة.

ثانياً: الأسباب الشائعة لضعف التركيز أثناء المذاكرة

تتعدد العوامل التي قد تؤثر على تركيز الطفل في المذاكرة، ومن أبرزها:

1. المشتتات البيئية: مثل التلفاز، الهواتف المحمولة، الأصوات المرتفعة، أو الفوضى في مكان الدراسة.

2. قلة النوم: تؤدي اضطرابات النوم أو عدم الحصول على عدد كافٍ من ساعات النوم إلى ضعف الانتباه العام والقدرة على المعالجة المعرفية.

3. سوء التغذية: النقص في بعض العناصر الغذائية مثل الحديد، أوميغا 3، والزنك، يرتبط مباشرة بتدني مستوى الانتباه والذاكرة.

4. ضعف التحفيز: عندما لا يشعر الطفل بأن ما يدرسه له قيمة أو متعة، تقل دافعيته تلقائيًا للانخراط فيه.

5. الإجهاد النفسي أو الضغط المدرسي: القلق من الامتحانات أو توقعات الأهل المبالغ بها قد يسبب تشتتًا ذهنيًا وفقدانًا للتركيز.

6. مشكلات سلوكية أو اضطرابات التعلم: مثل اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه (ADHD) أو صعوبات القراءة والحساب.

ثالثاً: خطوات عملية لمساعدة الطفل على التركيز أثناء المذاكرة

1. تهيئة بيئة دراسية مناسبة

يجب أن تكون بيئة الدراسة خالية من المشتتات، هادئة، منظمة، ومجهزة بكل ما يحتاجه الطفل. يُفضَّل أن يكون هناك مكان ثابت للمذاكرة بعيد عن التلفاز، ويُمنع فيه استخدام الهواتف أو الأجهزة الذكية خلال الدراسة.

2. تنظيم الجدول الدراسي

يحتاج الطفل إلى جدول مذاكرة واضح ومقسّم إلى وحدات زمنية قصيرة تتخللها فترات راحة. يُنصح بتطبيق تقنية “البومودورو” (25 دقيقة تركيز + 5 دقائق راحة) وتكرار الدورة 3-4 مرات حسب قدرة الطفل.

3. تحسين جودة النوم

النوم الكافي والمبكر يُعزز من قدرات الانتباه والتركيز. يجب أن يحصل الطفل في عمر 6–12 عامًا على 9 إلى 11 ساعة من النوم يوميًا، مع تجنب الأجهزة الإلكترونية قبل النوم بساعة على الأقل.

4. تحفيز الطفل وتشجيعه

عندما يرى الطفل أن جهده محل تقدير، يزداد شعوره بالإنجاز. استخدم المكافآت الرمزية، كلمات الدعم، وجداول النجوم، ولكن دون الإفراط حتى لا تصبح دافعًا خارجيًا فقط.

5. التغذية السليمة

التغذية المتوازنة ترفع من قدرات الدماغ، ويجب أن تشمل وجبة الإفطار يوميًا، إضافة إلى الأطعمة الغنية بالأوميغا 3 (مثل السمك والمكسرات)، الحديد (مثل اللحوم والخضروات الورقية)، والماء بكميات كافية.

6. التمارين الرياضية المنتظمة

تشير الأبحاث إلى أن الأطفال الذين يمارسون الرياضة بانتظام يتمتعون بقدرات تركيز أعلى. يمكن تشجيع الطفل على ممارسة الأنشطة الحركية مثل السباحة، ركوب الدراجة، أو الجري، لمدة لا تقل عن 30 دقيقة يوميًا.

7. تقنيات التدريب الذهني

تشمل تمارين التأمل الذهني (Mindfulness) وتمارين التنفس العميق التي تعزز من التركيز والقدرة على التحكم بالانتباه. كما يمكن استخدام ألعاب الذاكرة والألغاز الذهنية التي تنمّي الوظائف التنفيذية للدماغ.

8. استخدام أساليب متنوعة في الشرح

تتنوع أساليب التعلم بين السمعي والبصري والحركي، لذلك يُنصح باستخدام الصور، القصص، الألوان، والمجسمات عند شرح الدروس. كما أن تحويل المعلومات إلى خرائط ذهنية أو قصائد أو رسومات يساعد على تثبيتها في الذاكرة.

رابعاً: بناء عادات دراسية إيجابية

لا يمكن بناء تركيز عميق بين ليلة وضحاها، بل يحتاج الطفل إلى غرس مجموعة من العادات اليومية التي تصنع بيئة ذهنية ونفسية محفزة، ومنها:

• البدء بالمذاكرة في وقت ثابت يوميًا.

• البدء بالمواد الأصعب أولًا عندما يكون الطفل في قمة نشاطه الذهني.

• مراجعة الدروس في نفس اليوم الذي تم شرحه فيه.

• كتابة الملاحظات باليد أثناء المذاكرة، لأنها تعزز الذاكرة النشطة.

• القراءة الجهرية في بعض المواد مثل اللغة العربية أو التاريخ.

خامساً: التعامل مع حالات ضعف التركيز المزمن

إذا استمرت مشكلة ضعف التركيز رغم جميع المحاولات، ينبغي على الأهل استشارة متخصص نفسي أو تربوي. قد تكون المشكلة مرتبطة باضطراب معرفي أو سلوكي يتطلب تدخلًا مهنيًا. من المهم تجنب العقاب أو السخرية من الطفل، والتركيز على بناء الثقة وتشجيع الطفل على تطوير إمكانياته بالتدريج.

سادساً: دور الأهل كقدوة في السلوك والتركيز

الطفل يتعلم بالتقليد، وإذا لاحظ أن أفراد أسرته يقرؤون، ينجزون مهامهم بهدوء، يبتعدون عن الهواتف أثناء العمل، ويديرون وقتهم بكفاءة، فإنه سيكتسب هذه السلوكيات تلقائيًا. لذلك، من المهم أن يكون المنزل بيئة تعليمية غير مباشرة تُشجع على الانضباط الذاتي والتركيز.

سابعاً: جدول مقترح لمساعدة الطفل على تنظيم المذاكرة

ثامناً: المصادر والمراجع

• Barkley, R. A. (2013). Taking Charge of ADHD: The Complete, Authoritative Guide for Parents. Guilford Press.

• Dawson, P., & Guare, R. (2016). Smart but Scattered: The Revolutionary “Executive Skills” Approach to Helping Kids Reach Their Potential. Guilford Press.

تكمن القوة الحقيقية في مساعدة الأبناء على المذاكرة في الجمع بين الفهم العميق لاحتياجاتهم النفسية والمعرفية، وتوفير بيئة منزلية منظمة، وتطبيق استراتيجيات عملية قابلة للتكرار، مع كثير من الحب والدعم والثقة. التركيز لا يُفرض، بل يُبنى عبر خطوات متراكمة تنبع من فهم الطفل واحتوائه وليس من الضغط أو المقارنة.